القائمة الرئيسية

الصفحات

ليست (أمنستي) بقرة مقدسة؟!

حقوق الشعب الفلسطيني هي حقوق الانسان؟!
ليست (أمنستي) بقرة مقدسة؟!
كما أن مجموعاتها ليسوا ملائكة رحمة؟!
نطوي إثني عشر عاماً من عمر تجربتنا الإعلامية والثقافية، على جبهة الدفاع عن قضايا حقوق الانسان والشعوب، وفي مقدمة ذلك الحق في الاستقلال والحرية والعدالة والكرامة الانسانية.
 وقد أغنتنا تلك التجربة في تعزيز القناعات المبدئية باستحالة فصم منظومة الحقوق الانسانية الجماعية والفردية للأفراد والجماعات بعضها عن بعض، وتغليب الحقوق على الواجبات، أو العكس، كما يحلو لبعض مريدي واتباع وادعياء الدفاع عن حقوق الانسان ان يروجوا لذلك بشكل تعسفي وانتقائية مكشوفة.. متسترين في دعاواهم بمقولات وشعارات الشفافية، والمصداقية، والعالمية، والديموقراطية والمجتمع المدني.. الخ.. خدمة لهدف سياسي خبيث، تقرره وتحدد ملامحه سلفا.. واشنطن أو تل أبيب أو أية عاصمة أطلسية، حباها النظام العالمي الجديد، بسلطة الوصاية والسيطرة المطلقة على مقدرات البشرية، الى حد امتلاك حق التفرد باعادة صياغة وتحديد شكل الخلق!! ومستوى ادراكه العقلي، وطبيعته وحجم طموحاته، بما يتوائم ويكرس هيمنة السيد على عبده!!
نطوي أثني عشر عاماً حافلة بكل غنى تجربة العمل اليومي مع نشطاء حقوق الانسان، أولئك المناضلين الذين ما إنفكوا قابضين على جمر الفكرة وقداستها ديدنهم حكمة عمر بن الخطاب الخالدة: "متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً" وهتافهم ما أنفك منادياً بحق الشعوب في الحرية والاستقلال والتنمية الشاملة، جنباً الى جنب مع حق الإنسان في ضمان كرامته الانسانية المتأصلة.
وفي نفس الوقت تابعنا ونتابع ذلك النفر (مؤسسات وأشخاص) ممن احترفوا في هذا الميدان، ووجدوا ضالتهم المنشودة فيه.. كباب للارتزاق والكسب السهل، والنجومية، على حساب القضية الانسانية والوطنية وعذابات الشعوب والأفراد وخدمة لمصالح وأهداف السيد واحتكاراته.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فلا بأس من ولوج أبواب (التابو المحرّم) لنتحدث بشيء من الخصوصية والصراحة النقدية عن تجربتنا مع "البقرات المقدسة" وبخاصة تلك البقرة المقدسة.. منظمة العفو الدولية "الأمنستي" التي تم تنصيبها بلا منازع، حامية لحمى حقوق الانسان، ومدافعاً وحيداً عن الديموقراطية، وقاضياً أممياً مطلق الصلاحيات. يقرر، ويحكم، ويحاكم متى شاء، وكيفما يشاء، وأنّا شاء، ويحدد زمنياً وجغرافياً، متى يكون الجلاد ضحية وأين؟! وكيف تتحول الضحية بقدرة قادر الى جلاد؟!
ولأن أهل مكة أدرى بشعابها، فقد أتيح لنا ما استطعنا أن نسترق السمع، ونطل على كواليس سياسات "الأمنستي" وطرائق عمل مبعوثيها وموفديها ومندوبيها، ومجموعاتها العاملة في هذه الدولة أو تلك، ونخص بالذكر، آلية الحصول على المعلومات والتقارير التي يغلب عليها الطابع المعلوماتي - الأمني، وان كان ظاهرها يبدو أنه يتعرض لقضايا حقوق الانسان والدفاع عن المعتقلين وفضح الانتهاكات لكن باطنها ينطوي على غير ذلك؟!
وما دام الطبع قد غلب التطبّع والتطبيع، فان "الأمنستي" قد تقولبت على هذه الشاكلة من الأداء والمهمات والبرامج، وإعتادت على تقمص دور "الحكم والإمبراطور" الذي يوبخ ويؤنب، ويشوه، ويعاقب، ويحذر دون أن يخشى في نقده وحكمه المطلق لومة لائم!! وكيف لا، وهو محصن بسيف العدل، وإمتلاك الحقيقة المطلقة دون غيره من بني البشر!!
و ما دمنا بصدد التعرض للعقلية الإمبراطورية وحكمها المطلق في الأرض، فإن هؤلاء الأباطرة، يطلون علينا الأن من تلك الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عن مستعمراتها الشمس.. يدهم مطلقة على احتكار السوق الإعلامية والماكينة الإعلامية  التي تسندها وتمولها شبكة من الإمكانات الرأسمالية الضخمة المسخرة لخدمة حملاتها المتنوعة الأغراض والأهداف والأبعاد، والقادرة على الإنتقال من الضد إلى الضد الآخر، وتحويل الأبيض إلى أسود والخائن المنشق، إلى رمز مكافح، وتصوير الإحتلال والغزو العسكري على أنه إنقاذ إنساني للبشرية في هذه المنطقة أو تلك من العالم.
البقية صفحة  -33-
 
أما الإنتفاضة، والثورة، فتلك هي أعمال إرهابية مدانة سلفاً، ويجب وأدها، وملاحقة الإرهابيين أينما كانوا، وحيثما حلوا وإجتثاث شأفتهم من الجذور‍‍‍‍.

هذا بعض ما تعلمناه وإستخلصناه من دروس تجربتنا، نتعرض له بإيجاز مفعم بخيبات الأمل والمرارة، وبإصرار عنيد من جانبنا على إضاءة شموع الحقيقة، وسط هذا الظلام الديماغوجي وإعلاء كلمة الحق التي يجب أن تقال في زمانها ومكانها دونما تردد أو خوف أو محاباه.
لقد عملنا مع "الأمنستي" منذ البدايات، وكنا المطبوعة العربية الوحيدة التي تنشر تقاريرها بكل أمانة، إلا أن تجربة العمل المعاشة، كشفت لنا وبما لا يدع مجالاً للشك سياسة إزدواجية المعايير والتوجيه السياسي للحملات الإعلامية وغيرها لبلد على حساب آخر ولمعتقل دون آخر!!.
ولا نكشف سراً إذا قلنا بأن فشل تجربة تشكيل مجموعات للأمنستي وتجنيدها في دول مثل الأردن، وتونس، والمغرب، واليمن تكشف النقاب عن مثل تلك السياسات التي حكمتها العقلية الأمنية المعلوماتية لخدمة أغراض سياسية محددة، وليس توجهات العمل الديموقراطي التطوعي الإنساني، الذي يهب لنصرة المظلوم، والدفاع عن كرامة الإنسان وحقوقه، وإعلاء شأن ثقافة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وتعميمها إنطلاقاً من إيمانه وتربيته على منظومة هذه القيم وإلتزامه بها.
لقد رحبنا في مجلة "النشرة" وفي غيرها من المنابر المتاحة، بنتائج مؤتمر أوكلاهوما الذي عقدته "الأمنستي" لمجموعاتها الدولية في اليابان، قبيل إندلاع أزمة وحرب الخليج، وإعتبرنا أن مشاركة أعضاء جدد من العالم الثالث في أعماله، وإنتخاب أعضاء عرب في لجنتها التنفيذية، مناسبة وفرصة متاحة لتزاوج الشمال مع الجنوب، وأنسنة هذه العلاقة، كما إعتبرنا إدانة المؤتمر للإحتلال العسكري الإسرائيلي، ولسياسة الإستيطان التوسعية مؤشراً لتبني "أمنستي" لمبدأ حق تقرير المصير للشعوب المستعمرة والمكافحة الواقعة تحت نير الإحتلال بإعتباره أساس الحقوق الإنسانية.
كما رحبنا وعولنا الكثير على قرار المؤتمر بتشكيل مجموعات للأمنستي في فلسطين المحتلة وفتح مكاتب لها، واعتبرنا تلك الخطوة بمثابة اعتراف بالدولة الفلسطينية وبحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والإستقلال.. نظراً لأن الأمنستي لا تفتح مكاتب لها الا في دول معترف بها.
لكن آمالنا سرعان ما خابت.. اذ أن إزدواجية المعايير، وسياسة الكيل بمكيالين ما لبثت أن طغت على ما سواها من مبادىء انسانية.. حين بدأت "الأمنستي" ومجموعاتها توصم الانتفاضة بالارهاب، وتتحدث باستحياء عن جرائم جيش الاحتلال وسوائب مستوطنيه باعتبارها ردود فعل وتجاوزات فردية ليس إلاّ؟!
ومع اطلالة نتائج أوسلو، وعودة السلطة الوطنية الفلسطينية الى غزة وأريحا أولاً، بعد أن انزاح عنهما كابوس الاحتلال بشكل جزئي. لاحظنا أن رياح التغيير قد هبت هي الأخرى، لتعيد تشكيل المجموعات الفلسطينية للأمنستي في فلسطين بمعايير سياسية وأمنية وفئوية، تقرر وتحكم على هذه المجموعة بالفصل أوالطرد، وتلك بالتجميد، دون وجه حق وبشكل تعسفي وغير ديموقراطي، ومثال المجموعة الثانية في محافظات غزة لازال شاهداً على ذلك!!.
كذلك فان حملة التربية على حقوق الانسان في المناطق الفلسطينية والتي رصدت لها "الأمنستي" اموالاً طائلة، تصلح لكي تكون نموذجاً مشوهاً لفلسفة البؤس وبؤس الفلسفة!! ولا داعي لكي نخوض في تفاصيل هذه الحملة الدعائية التي أضحت مجالاً للإثراء الشخصي والنجومية لبعض دعاة حقوق الإنسان!!
ولعل المتتبع والقارئ لتقارير الأمنستي وحملات رسائل مجموعاتها المنتشرة في مختلف العواصم الغربية هنا وهناك، والتي تنهال هذه الأيام بالمئات على مؤسسات حقوق الانسان الفلسطينية ومسؤولي السلطة الفلسطينية، وتتحدث بلغة واحدة وبتعابير ومفردات ووقائع محددة تطالب بإدانة الإرهاب، وتوازي بين فعل الاحتلال العسكري وارهابه الذي فاق كل الحدود، وبين انتهاكات فردية (مُدانة سلفاً) تجري وتقع في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية- وهي خاضعة أصلاً لإرهاب وجبروت ذلك الاحتلال البغيض - يدرك ان وراء الأكمة ما ورائها!!

ومثالنا على ذلك.. هبة "أمنستي" بعد عملية تل أبيب التي لا يشك أحد بأنها فعل اسرائيلي نفذتها ضحية فلسطينية سهلة المنال.. فقد انبرت "امنستي" بعد ساعتين من وقوع العملية تلك الى اصدار بيان عاجل يستنكر ويندد ويشجب ويدين الارهاب الفلسطيني المسلط على رقاب عبادة من الإسرائيليين الصالحين الآمنين في عقر دارهم!!
هذه السرعة في المبادرة جعلتنا ندرك بأن مصدر البيان هو الفرع الإسرائيلي للأمنستي، الذي يقرر ويحدد ويوجه  بسطوة نفوذه سياسات أمنستي في بلادنا!!.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن. لماذا لم تتنطح "أمنستي" لكشف مخاطر سياسة "حافة الهاوية" التي تقوم بها حكومة الاحتلال الإسرائيلية منذ أشهر من خلال اعادة الاحتلال وأحكام الطوق العسكري المعزز بالدبابات والتهديدات اليومية بإعادة اقتحام واحتلال المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وزج مجموعات القناصة والتصريح لفرق الموت والاغتيال بالعمل داخل مناطق السلطة الوطنية من جديد، بكل ما يمثل هذا التصعيد الارهابي من تهديد لأمن وسلام المنطقة بأكملها. لماذا كل هذا الصمت على الطرف الإسرائيلي، وهذا السعار المنفلت من عقاله على الفلسطينيين.. سؤال لا يحتاج لجواب على ما نعتقد!! ونكتفي الآن بهذا القدر كمدخل  لعودة الحديث عن دور ومهات مجلة "حقوق الناس" و"رقيب" "باسم عيد" ومجموعته التي ينبؤنا صدورهما في هذا الوقت بالذات في القدس، بتناغم الصوت مع الصدى، لتشويه وعرقلة عمل السلطة الوطنية الفلسطينية وتأكيد عدم أهليتها وجدارتها.. في وقت تخوض فيه واحدة من أشرس وأبسل المعارك السياسية ضد عدو لا يقبل الا بالغاء خصمه ويرفض مبدأ التصالح معه، على حد تعبير أحد كبار الصحفيين الأميريكيين اليهود لمسؤول فلسطيني في نادي الصحافة الأميريكي مؤخراً.
ملاحظة أولى لمن يهمه الأمر..
تعمل مجموعات الأمنستي، وكل مراكز ومؤسسات حقوق الإنسان بكافة تنويعاتها وإهتماماتها وتخصصاتها، بكل حرية وأمان وتصدر تقاريرها ونشراتها بكل جرأة، في مناطق السلطة الفلسطينية، ولا بأس من الإشارة هنا إلى أن المركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان "بتسيلم" قد إفتتح فرعاً له، في الخليل قبل أشهر، من أجل ضمان حماية وحقوق المستوطنين الإسرائيليين في المدينة من الإنتهاكات الفلسطينية!!
ملاحظة ثانية وأخيرة:
عتب علينا أحد أبرز رموز الأمنستي من أصدقائنا العرب لآننا نستخدم شعار: حقوق الشعب الفلسطيني.. هي حقوق الإنسان، وطالبنا بكل ادب بأن لانستخدمه، لآنه يضر بنا..؟! وبعد كل ذلك ألا يحق لنا أن نسأل لماذا؟!
ولنا عودة
رئيس التحرير

تعليقات