القائمة الرئيسية

الصفحات

نحو ميثاق شرف للعمل الأهلي العربي

أقانيم العمل الإنساني التطوعي:
الديموقراطية والشفافية والخضوع للقانون والمحاسبة والمسائلة
ورفض إملاءات الممول والإنخراط في تنمية المجتمع؟!


نحو ميثاق شرف للعمل الأهلي العربي

طرحت لجنة المتابعة المنظّمة للمؤتمر الثاني للمنظمات الأهلية العربية المنعقد في القاهرة  في الفترة من 17- 19 نيسان الجاري، مشروع إعلان مبادىء (ميثاق شرف) للعمل الأهلي العربي، وطالبت الأعضاء المشاركين فيه من الجمعيات العربية الشروع في تنقيحه وإغنائه.
"النشرة" تتبنى هذا المشروع وتطرحه على الجمعيات والمنظمات الفلسطينية غير الحكومية التي لم تشارك في المؤتمر لاثرائه وإبداء ملاحظاتها عليه:

تزداد أزمة العمل الأهلي في الوطن العربي تعقيداً في السنوات الأخيرة.. فمع العمل الدؤوب لإعادة رسملة الاقتصاد العالمي وإعادة توزيع الأدوار بين الشمال والجنوب بهدف استكمال التبعية الاقتصادية والسياسية للدول الرأسمالية الكبرى.. لم تعد تملك الكثير من الحكومات العربية - المكبلة بالديون وفوائدها - إلا الإنصياع بشروط إعادة هيكلة الاقتصاد بدولها، والتي تفترض ان تسحب الدولة يدها من الدور الاجتماعي الذي كانت تقوم به بهذه الدرجة أو تلك في سنوات ما قبل القطب العالمي الواحد. فتبدأ خطوات خصخصة الصحة والتعليم والخدمات العامة في نفس الوقت الذي تتم فيه خصخصة الشركات الإقتصادية، والنتيجة الحتمية لهذه السياسات هي هبوط ملايين جديدة تحت خط الفقر.. بلا أية ضمانات اجتماعية تحمي ملايين الأسر الفقيرة والمعدمة. ومما يزيد الأمر تعقيداً هو الغياب التاريخي للديموقراطية والمشاركة الشعبية الحقيقية في إتخاذ القرار.. وسعي الشرائح الرأسمالية صاحبة المصلحة في التغييرات المجتمعية والدولية الحديثة للعب دوراً أكثر فاعلية في السلطة لصالحها. ولم تكتف هذه الحكومات بما لديها من قوانين مقيدة للحريات العامة بل لجأت الى لعب دوراً هجومياً أعلى تجاه مؤسسات المجتمع المدني وخاصة النقابات العمالية والمهنية، حتى تتمكن من تعديل البنية الرأسمالية بأقل مقاومة ممكنة.
وفي هذا السياق فإن دور العمل الأهلي لا يمكن أن يكون دوراً مكملاً لما تقوم به الدولة وبالأخص عندما تنسحب الدولة فعلياً عن القيام بدورها الاجتماعي، الا اذا تصورنا إن تلك المنظمات الأهلية ستكون هي الدولة البديلة دولة الجموع دولة الفقراء. فجيوش البطالة قادمة لا محالة من المصانع ومن الريف، لذا لا يمكن لمنظمات العمل الأهلي الا أن تشتبه مع السياسات القائمة و"الجديدة" منحازة في اختيارها لمصالح تلك الجموع.
ويصعب تصور أن يتم هذا التوجه في سلام مع الحكومة بل ستتعرض منظمات العمل الأهلي بسبب هذا التوجه لعمليات حصار وتدخل وتصفية. لذا يلزم علينا أن نعي أهمية التضامن بين تلك المنظمات على مستوى الدولة الواحدة وعلى مستوى الوطن العربي ككل .
وفي هذا الإطار نرى أن ميثاق شرف العمل الأهلي لايمكن أن يكون مجرد ضوابط للعمل الداخلي - برغم أهميتها - بل أن تتضمن كامل تصورنا لعملية التنمية الشاملة والمستقلة وفي القلب منها إطلاق حرية التنظيم للجماهير الشعبية.
وفيما يلي نطرح عدداً من النقاط نعتقد أنها تشكل عناصر أساسية في مثل هذا الميثاق:
1- يتمثل جوهر العمل الأهلي الديموقراطي في مساعدة الناس على تقرير مصيرها بنفسها. فهو ليس عملاً خيرياً يأخذ من القادرين ليعطي غير القادرين، ولا هو مسعى لسد الفجوة التي يؤدي اليها التراجع المتنامي للدولة عن تلبية الحقوق الأساسية للمواطنين في المأكل والمسكن والعمل والتعليم والخدمة الصحية، الخ.. من خلال تعبئة موارد الفقراء من أجل توفير خدمات فقيرة. ولا هو يستهدف بناء مؤسسات للخبراء المحترفين يقومون من خلالها بتعريف الناس بما هو في صالحهم وما في غير صالحهم، من خلال التدريب أو التوعية أو غيرها من المسميات.
2-  ان العمل الأهلي الديموقراطي هو في المحل الأول عمل نضالي ذو محتوى اجتماعي ينطلق من القناعة العميقة بحق وقدرة الناس على تقرير مصيرها بنفسها، ومن أن أبنية القهر والاضطهاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأيديولوجية هي التي تقف بين الناس وبين ممارسة ذلك الحق، ومن أن النزوع الى مقاومة الاضطهاد والقهر هو نزوع متأصل في البشر يتجسد في وعيهم وخبرتهم وثقافتهم وممارستهم الحياتية.
البقية صفحة -31-
 
3- هدف العمل الأهلي الديموقراطي هو أن يتمكن الناس من خلال التضامن والتنظيم وتحدي شتى أشكال احتكار السلطة والمعرفة من انتزاع حقهم في تقرير مصيرهم ومن امتلاك القدرة الفعلية على ممارسة ذلك الحق. أي أن العمل الأهلي وفقاً لهذا التصور هو ميدان التنظيم الذاتي للناس لممارسة حقهم في إدارة مجتمعهم بأسره سواء على صعيد السياسات العامة للدولة أو على صعيد المجتمع المحلي. ومن ثم فليست الديمقراطية الداخلية لهذا النوع من المنظمات الأهلية مجرد شكل مرغوب لإدارتها وإنما هي جوهر وجودها وجزء لا يتجزأ من أهدافها.
4-         العمل الأهلي بهذا المعنى هو عمل ذو طابع سياسي غير حزبي. انه ذو طابع سياسي لانه يعني بإدارة المجتمع ككل سواء كان ذلك يتعلق بالسياسات الاقتصادية أو بالسياسات الصحية او البيئة أو حقوق المرأة أو حقوق الانسان، الخ.. ولكنه غير حزبي لأنه يقوم بالتحديد على التنظيم الذاتي للناس الأمر الذي يجعل أي محاولة لاخضاعه للهيمنة الحزبية -- مؤتلفة أو منفردة -- اعتداءاً صارخاً ومباشراً على الجوهر الديموقراطي للمنظمة الأهلية ونفياً قاطعاً لوجودها.
5- ولأن العمل الأهلي الديموقراطي يستهدف تملك الناس لأسباب القدرة على تقرير مصيرهم بأنفسهم اقتصادية كانت أو اجتماعية او سياسية او معرفية فانه يرفض ويقاوم كافة السياسات التي تكرس أو تعمق من عدم التكافؤ في أي من هذه الميادين، فيرفض ويقاوم بأنسجام ودون تمييز كل صور الاستبداد السياسي والفكري أياً كان مصدرها وبصرف النظر عن هوية ضحيتها المباشرة، كما يرفض وبنفس القدر كل سياسة تؤدي الى افقار الناس وحرمانهم من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية الأساسية.
6- كما يقوم العمل الأهلي الديموقراطي على مقاومة الاضطهاد وعدم التكافؤ والهيمنة على الصعيد العالمي في الوقت نفسه الذي يتمسك فيه أشد التمسك بمبدأ التضامن بين شعوب العالم ضد كل اضطهاد على مستوى الدولة القومية كما على مستوى النظام العالمي.
انطلاقاً من المبادئ السابقة تعلن منظمات العمل الأهلي العربي التزامها بالتالي:
1- تلتزم كل منظمة التزاماً صارماً بإعمال المبادئ الديمقراطي في إدارة شئونها وفي علاقتها بجمهورها النوعي وذلك بصرف النظر عن الشكل التنظيمي او القانوني الخاص الذي تتخذه كل منظمة وفقاً لميدان نشاطها أو ظروفها من الناحية القانونية. فالمبدأ الأساسي هو خضوع المنظمة وهيئاتها الإدارية لعضويتها وليس العكس. ويقتضي هذا إعمال المبادئ التنظيمية التالية:
أ- تقرر سياسات المنظمة وأساليب عملها وماليتها وهيكلها الاداري، الخ.. من قبل هيئة من المتطوعين المنتخبين في حالة منظمات العضوية والمناضلين البارزين في مجال نشاط المنظمة في حالة المنظمات المغلقة. ويفصل فصلاً صارماً بين هذه الهيئة وبين الكيان المعني بالإدارة اليومية للمنظمة. فمثل هذا الفصل يشكل ضمانة أساسية للحئول دون استخدام البنية الأساسية للمنظمة: مقر، أموال ، وسائل اتصال وطباعة، كشوف عضوية، الخ.. في تكريس سلطة خاصة للطاقم القائم على الإدارة اليومية للمنظمة داخلها.
ب- إعمال مبدأ الشفافية التامة داخل المنظمة وفي علاقتها بجمهورها بحيث تتاح كافة المعلومات عن نشاط المنظمة للجميع وتشكل آليات ثابته للرقابة والمحاسبة.
ج- تقييد نمو الهيكل الإداري للمنظمة وإبقائه في الحدود الدنيا التي تسمح للمنظمة بممارسة نشاطها والذي يتمثل جوهره في تعبئة وتنظيم واطلاق أوسع طاقة ممكنة للعمل التطوعي. هذا فضلاً عن إعمال المبدأ الديموقراطي في تنظيم الهيكل الاداري للمنظمة وفي العلاقات بين أفراده، ونبذ النزعات الهيراركية و التأكيد على حق العاملين في معرفة كل أوجه نشاط المنظمة وفي محاسبة بعضهم البعض بصرف النظر عن وضعهم في الهيكل الاداري وحقهم منفردين ومجتمعين في مخاطبة الهيئة القيادية التطوعية للمنظمة.
د- أعمال مبدأ الرقابة والمحاسبة المتبادلة بين المنظمات الأهلية الديموقراطية وبعضها البعض والعمل من أجل بناء الآليات والأشكال المناسبة لتحقيق ذلك.
2- تقوم المنظمات الأهلية الديموقراطية على العمل التطوعي بصفة أساسية وتخضع تطور بنيتها الإدارية لاحتياجات تعبئة واطلاق طاقة العمل التطوعي. فالعمل المدفوع هو الاستثناء والقاعدة هي العمل المتطوع. تتلقى المنظمات الأهلية الديموقراطية الدعم المادي وفقاً للقواعد التالية:
أ - رفض أي دعم مالي من منظمات أو أفراد يشرطون دعمهم بشروط تتعلق بسياسة المنظمة أو توجهاتها، الخ.. أي دعم مالي مشروطاً أو غير مشروط من منظمات أو هيئات مثل هيئة المعونة الأمريكية او البنك الدولي معروفة بسياساتها المعادية صراحة للتوجهات والأهداف الأساسية لمنظمات العمل الأهلي الديموقراطي. ورفض أي دعم مالي من منظمات أو أفراد أو هيئات معروفة بدورها الداعم للاحتلال الإسرائيلي أو لنشاط المنظمات الصهيونية.
ب - الشفافية التامية. وتعني ان تعلن كل منظمة عن كل مليم دعم تتلقاه وعن الجهة المانحة وعن أوجه صرف كل ما تتلقاه من أموال، بما في ذلك ما كل ما يدفع كرواتب او مكافئات، الخ...
ج- التقشف هو المبدأ الهادي للانفاق في منظمات العمل الأهلي الديمقراطي. فترفض هذه المنظمات كل بذخ في الانفاق سواء على المقار أو على الرواتب أو السفريات والمؤتمرات، الخ.. و يتصل هذا المبدأ بالمبدأ السابق المتعلق بالعمل التطوعي. ومن ثم تحاسب المنظمة نفسها وتطلب من جمهورها محاسبتها على كل مظهر للتربح او للبذخ أو حتى لاستسهال طلب الدعم للقيام بأنشطة أو بأوجه من أنشطة يمكن للعمل التطوعي القيام بها.
د- الاتجاه الأساسي لتمويل منظمات العمل الديموقراطي هو الاعتماد على جمهورها. فهذا هو معيار نجاحها في اطلاق العمل التطوعي والضمانة الاساسية لتأكيد انتمائها لهذا الجمهور وخضوعها لمحاسبته. ومن ثم من الواجب أن تعمل المنظمات على أن يكون الاتجاه العام لمعدل الدعم المالي الخارجي هو اتجاه التناقض، وعليها إذا ما خالفت هذه القاعدة أن تقدم المبررات القوية للغاية لهذا، ومن بينها أن يكون من الواضح تماماً أن حجم العمل التطوعي قد تنامى بمعدل أعلى من معدل تنامي الدعم المالي.

                                    (عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر الثاني للمنظمات الأهلية العربية):
                                                            مركز النديم لعلاج وتأهيل                     مركز دراسات                      مركز قضايا

                                                            قضايا العنف                                   المرأة الجديدة                      المرأة المصرية

تعليقات