القائمة الرئيسية

الصفحات

(بعد مرور ثلاثين عاماً على هزيمة حزيران): الصهيونية أعلى مراحل الإمبريالية أيضاً؟!

بدءاً بتبرئة اليهود من دم المسيح إلى صهينة الكنيسة وتهويد سيدنا المسيح؟!
(بعد مرور ثلاثين عاماً على هزيمة حزيران):
الصهيونية أعلى مراحل الإمبريالية أيضاً؟!


بعد مضي أكثر من قرن من الزمان على مقولة المفكر الألماني كارل ماركس، بأن "الرأسمالية هي أعلى مراحل الإمبريالية" وفي ظل ضخامة المتغيرات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والعسكرية والعلمية، التي شهدها العالم منذ ذلك التاريخ، وحتى يومنا هذا.. يتضح أكثر فأكثر، أمام الفلسطينيين الذين إختارتهم "الإمبريالية" كنموذج إختبار لحل المسألة اليهودية على حسابهم، وضحايا أزليين للخرافة التوراتية والأطماع الإستعمارية الغربية، بأن الصهيونية قد مثلت ولازالت، المحرك، والحافز، والإطار لإستراتيجية الإستعمار العالمي بشكليه القديم والحديث في بلادنا ومنطقتنا.. وقد تطورت هذه الوظيفة منذ أن تسلمت الولايات المتحدة الأمريكية، مقاليد الراية الإستعمارية الجديدة من الإمبريالية البريطانية، بحيث إحتلت إسرائيل موقع القاعدة العسكرية المتقدمة لضمان مصالحها، وأضحت الشريك الإستراتيجي الأكثر رعاية، ومستودع الإسلحة الذي لاينضب.. والجيش الذي يؤسس لدولة قادرة على خوض عشرات الحروب الكبيرة والصغيرة خلال أقل من نصف قرن لتحقيق ذات الأهداف المشتركة لكليهما في المنطقة والعالم.
لذلك، ليس من قبيل الصدفة، أن تتمكن الحركة الصهيونية العالمية بأحزابها وقواها المتنفذة والمتغلغلة في صلب مفاصل الإدارات الأمريكية المتعاقبة وهي اليوم سيدة العالم بلامنازع على السيطرة والتحكم.. إلى مستوى القدرة على فرض شروطها وإملاء سياستها على ساسة البيت الأبيض "جمهوريين وديموقراطيين" على النحو الذي عايشناه منذ نجاح الولايات المتحدة في فرض مشروع تقسيم فلسطين، وإقامة دولة إسرائيل عام 1948 بقوة الغطرسة الإستعمارية المطلقة، مستخدمة في ذلك منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وقوة حلفائها، كغطاء قانوني لشرعية الإغتصاب الإستعماري والإستيطاني لفلسطين. وإذا كانت هزيمة حزيران عام 1967 التى نتجرع ذكراها الثلاثين هذه الأيام بكل مرارة القبول والإذعان لواقع الإغتصاب والعدوان والإحتلال، فإن نتائج حرب تشرين التحريرية عام 1973، قد ألزمت "المنتصرين" بتكريس هذا الواقع والقبول بإتفاقات كامب ديفيد التى أوصلتنا إلى غزو لبنان وحصار بيروت وإخراج الثورة الفلسطينية من ساحته، وبعد ذلك بسنوات إلى أزمة وحرب الخليج بكل نتائجها المأساوية التى لازالت تعصف بأمتنا ويلات وكوارث وأزمات لاحصر لها..
لذلك كان مؤتمر مدريد نتيجة حتمية مفروضة لتلك الإنتكاسات، وكذلك إتفاقات أوسلو وما تلاها من إتفاقات، لفرض وإملاء الحل الصهيوني - الأمريكي للصراع العربي - الصهيوني للهيمنة من جديد على عالمنا وإعادة تنظيم بؤر التوتر والصراع بطريقة تتوائم مع المرحلة الجديدة لطبيعة النظام العالمي الجديد.. وفي ضوء ذلك  يمكن فهم المعركة السياسية الشرسة التى خاضتها إدارة الرئيس الأمريكي بوش، من أجل شطب القرار الدولي الذي يصم الصهيونية بالعنصرية ويعتبرها شكلاً من أشكال التمييز العنصري، وإرغام الدول ألأعضاء في الأمم المتحدة من الجانب الأمريكي وممثلته مادلين أولبرايت أنذاك على التصويت لصالح إسقاط القرار بقوة التهديد والجبروت والطغيان.
ومنذ أن نجح التحالف الإستراتيجي الأمريكي - الصهيوني في فرض إرادته على المجتمع الدولي والعربي في المقدمة، فقد ترافقت هذه السياسة بأوامر صريحة من جانب الإدارة الأمريكية بضرورة إنهاء المقاطعة العربية والإسلامية والأفريقية لإسرائيل، والإنفتاح عليها والترويج لمبدأ "السلام مقابل السلام" من خلال تسويق مقولة العولمة والخصخصة والسوق الشرق أوسطية ومكافحة الإرهاب كمدخل لابد منه من أجل الولوج نحو التطويع والتطبيع والإنفتاح على النظام العالمي الجديد.
وفي هذا السياق، لايمكن الا الإستنتاج بأن عملية إغتيال إسحق رابين، ومن ثم سقوط شريكه بيرس في الإنتخابات، ونجاح الخط العنصري الصهيوني الأكثر فاشية وتعبيراً عن قوة الصهيونية وتحكمها في سياسات القوة العظمى في العالم، إلا في إطار منظومة السياسات المحكمة التى أصبحت تطوق وتوجه وتحكم صاحب القرار الأول في الولايات المتحدة الأمريكية وتملي عليه الشروط في الزمان والمكان الذي تريد وبما يخدم مصالحها وأهدافها وإستراتيجتها.
وتأكيداً على ذلك جاء الإعلان الأمريكي القديم - الجديد، بالإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أزلية وموحدة!! وليست مصادفة أن يترافق هذا القرار الذي أقره الكونغرس بتعليمات صهيونية محددة، مع حملة تهديد وإنذارات سافرة قامت بها الإدارة الأمريكية لتحذير الزعماء والقادة العرب والمسلمين والأفارقة، وعلماء الدين ورجال الإفتاء.. من الأزهر الشريف حتى آخر كنيسة أرثوذكسية تطالبهم بالإذعان والقبول بالقرار كأمر واقع. وتجدر الإشارة هنا إلى الحملة الموازية التى تخوضها منذ فترة ليست بالقصيرة جماعات الكنيسة المسيحية المتصهينة في الولايات المتحدة وبريطانيا، وبعض الدول الأوربية، وبخاصة تلك الجماعات المحسوبة على الكنيسة البروتستانتية والإنجيلية لتسويق وترويج السياسات الصهيونية، وتكريس مسألة تهويد القدس في أذهان العالم، بعد أن تمكنوا من إنتزاع إقرار الكنائس المسيحية والمرجعية البابوية على تبرئة اليهود من دم المسيح، بل وصل هذا النشاط المحموم إلى أخطر مستوياته وذلك من خلال الترويج لمسألة (يهودية سيدنا المسيح).
أمام هذه الصور التجريدية الصارخة للواقع السياسي الذي يعصف بقضية الصراع العربي - الصهيوني من جانب والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي من جانب آخر، فإن المسألة لم تعد تعني العرب والفلسطينيون وحدهم دون غيرهم من بني البشر، بل أصبحت قضية تمس في صميمها مصالح  أمم وشعوب ودول في العالم ومقدسات وأديان، وتهددهم بأخطار ماحقة.
وإذا كانت المائة عام المنصرمة من القرن العشرين الذي نودعه، قد أكدت إستحالة تذويب وإلغاء الكيانية الوطنية للشعب الفلسطيني المكافح.. فإن الإعوام المشرفة على قرن جديد لن تثني الشعب الفلسطيني عن إصراره العنيد من أجل نيل حقوقه الوطنية وإنتزاعها قطعة قطعة، وهو المؤهل والقادر على إبتداع كل الأشكال الكفاحية لتحقيق أهدافه المشروعة والمساهمة في عملية تصويب الإختلال الحاصل في موازين القوى، حتى تستعيد الأمة العربية زمام أمورها وتتحسس معها الأمة الإسلامية وشعوب العالم الأخطار التى تهدد أمنها وإستقرارها ومستقبلها.

ومافات فات.. وما هو قد آت، آت.

تعليقات